من مفارقات الانتخابات الأمريكية 5 مرشحين فازوا في التصويت الشعبي وخسروا الانتخابات "التفاصيل"
ربما تظن عزيزي القارئ أن المرشح الرئاسي الحاصل على أكبر عدد من أصوات الأميركيين هو الفائز بمنصب الرئيس؟، هذا معتقد خاطئ تماماً، وأبرز مثال على ذلك، آل جور، الذي فاز في عام 2000 بأكثر من نصف مليون صوت أكثر من الفائز جورج دبليو بوش، وهذا يعني أن نتائج الانتخابات الأميركية تخالف المعمول به في معظم دول العالم، ففي الولايات المتحدة قد يفوز المرشح بالتصويت الشعبي ولا يتم انتخابه رئيساً، وهذا الأمر حدث مع 5 رؤساء سابقين خسروا التصويت الشعبي ولكنهم فازوا بالانتخابات، ومنهم، للمفارقة، المرشح الرئاسي الحالي دونالد ترامب، في الوقت نفسه، تختلف الولايات المتحدة عن معظم الديمقراطيات الأخرى في أنها لا تمتلك لجنة انتخابية مستقلة للتصديق على عدد الأصوات النهائية، وهنا يثور التساؤل: من الذي يؤكد الفائز فعليا؟.
الخطوة الأولى: قبل يوم الانتخابات
تتطلب عملية الإعلان الرسمي عن الفائز بالانتخابات الرئاسية التنسيق بين العديد من الهيئات على المستوى المحلي والولائي والوطني، حتى تضمن هذه العملية انتخابات حرة ونزيهة وانتقالًا سلسًا للسلطة، والواقع، أن الديمقراطية الأمريكية تضم العديد من المسؤولين المنتخبين، على مستوى الولاية والمحلي والوطني، والعديد من العمليات للوصول إلى المناصب الرسمية، واللافت للنظر أن كل سباق يختلف عن الآخر، بدءاً من المواعيد النهائية وعملية تقديم الطلبات وحتى التصديق، وتشمل عملية التصديق على الانتخابات الرئاسية جميع الولايات الخمسين ومنطقة كولومبيا ومجلس الشيوخ ومجلس النواب والأرشيف الوطني ومكتب السجل الفيدرالي، كما تشمل الهيئة الانتخابية، وهي مؤسسة أميركية فريدة من نوعها تجتمع في 51 موقعا منفصلا مرة كل أربع سنوات لاختيار الرئيس.
تستغرق هذه العملية المعقدة عدة أشهر، وهي مصممة خصيصاً كحل وسط من قبل الآباء المؤسسين، الذين لم يعتقدوا أن الشعب الأمريكي يجب أن يختار الرئيس ونائب الرئيس بشكل مباشر ولكنهم لم يريدوا إعطاء الكونجرس سلطة الاختيار أيضا، وينص الدستور الأمريكي على أن الانتخابات الرئاسية الأمريكية تجري في أول يوم ثلاثاء من شهر نوفمبر، كل أربع سنوات، ولكن عملية الانتخابات الفيدرالية تبدأ في الواقع في شهر أكتوبر، عندما يرسل أمين الأرشيف الأمريكي، وهو الشخص المعين من قِبَل الرئيس المسؤول عن صيانة الوثائق الرسمية الأكثر أهمية للحكومة، خطاباً إلى حاكم كل ولاية، وتوضح الوثيقة مسؤولياتهم فيما يتعلق بالهيئة الانتخابية، وهي ليست مكانًا بل عملية يصوت بموجبها الناخبون لصالح المرشح الرئاسي لحزبهم، وتعتبر آلية عمل الهيئة الانتخابية معقدة للغاية، ولكن باختصار، يصوت الأميركيون لصالح الناخبين، ويصوت الناخبون لصالح الرئيس، ثم يتم الإعلان رسمياً.
الخطوة الثانية: بعد يوم الانتخابات
بمجرد الانتهاء من إحصاء الأصوات التي أدلى بها الناخبون شخصيًا أو عبر البريد، يقوم جميع حكام الولايات الخمسين بإعداد شهادة التأكيد الخاصة بولايتهم، وهي وثيقة تسرد أسماء ناخبيهم للمرشحين المتنافسين، وتكمل كل ولاية هذه العملية بمعدلها الخاص، ونظرًا للدعاوى القضائية التي من المنتظر أن تتنازع على نتائج انتخابات 2024، فإن هناك إجراءات معمول بها لتسريع الطعون على شهادة التوثيق الخاصة بالولاية من قبل المرشح المظلوم، وبمجرد اكتمالها، يتم تقديم نسخ من شهادة التوثيق إلى أمين الأرشيف الأمريكي.
بعد أن يقدم حاكم الولاية الأسماء إلى أمين الأرشيف، يجتمع ناخبو الهيئة الانتخابية في كل ولاية بعاصمة الولاية، فمثلاً يجتمع ناخبو واشنطن في واشنطن العاصمة، للإدلاء بأصواتهم رسميًا للرئيس ونائب الرئيس في أول يوم ثلاثاء بعد ثاني يوم أربعاء في ديسمبر، وسيكون ذلك في 17 ديسمبر 2024، ومن خلال عدة طرق تختلف من ولاية إلى أخرى، يقوم الناخبون في كل ولاية بإعداد ست شهادات تصويت، يتم إرسال واحدة منها بالبريد المسجل إلى رئيس مجلس الشيوخ الأمريكي، وأخرى إلى أمين الأرشيف في الولايات المتحدة، فيما يتم إرسال الشهادات الأربع المتبقية إلى مسؤولي الولاية، وهذا ما يؤدي إلى تنفيذ واجبات الهيئة الانتخابية حتى الانتخابات الرئاسية المقبلة .
الخطوة الثالثة: اجتماع الكونجرس
في السادس من يناير 2025، يعقد الكونجرس اجتماعا لفرز الأصوات الانتخابية والمصادقة على الفائز في الانتخابات، وبما أن نائب الرئيس الحالي يشغل أيضًا منصب رئيس مجلس الشيوخ، فإن كامالا هاريس ستترأس هذه الانتخابات في عام 2025، تمامًا كما فعل نائب الرئيس مايك بنس في يناير 2021، عندما أصبح جو بايدن رسميًا رئيسًا منتخبًا، وتقدم كل ولاية أصواتها، حسب الترتيب الأبجدي، وهذه العملية تأخذ شكل احتفالية في الغالب، لأن وسائل الإعلام ستعلن بحلول شهر يناير 2025 عن الفائز، وعادة ما يتم إلقاء خطاب اعتراف بالهزيمة، وهذا يعني على المستوى الرسمي، أن لحظة الحقيقة قد حانت بالنسبة للمهزوم انتخابياً.
الخطوة الرابعة: تنصيب الرئيس
يتم تنصيب الرئيس الأميركي المنتخب في 20 يناير، بعد ظهر يوم أربعاء، وتقام مراسم التنصيب في مبنى الكابيتول بالولايات المتحدة في العاصمة واشنطن، ويقسم الرئيس اليمين الدستورية ويبدأ فترة ولايته التي مدتها أربع سنوات، ثم يلقي الرئيس المنتخب خطابًا يحدد فيه رؤيته للبلاد ويحدد أولويات إدارته.
أما الإجراءات اللاحقة، فتشمل تعيين الرئيس لمجلس الوزراء، وهذا الأمر يتطلب موافقة مجلس الشيوخ، في الوقت نفسه، يتعاون الرئيس المنتهية ولايته مع الرئيس المنتخب لضمان انتقال سلس للسلطة، وتعتبر الـ 100 يوم الأولى من الرئاسة فترة حاسمة حيث يضع الرئيس المنتخب أجندته ويشرع في تنفيذ مبادراته الرئيسية.
أحداثاً هزت الديمقراطية الأميركية
شهدت الانتخابات الرئاسية في 2020، أحداثاً دراماتيكية للغاية، حتى أنها وصفت بأنها عار على الديمقراطية الأميركية، ففي 6 يناير 2021، اقتحم حشد مؤيد لترامب مبنى الكابيتول في محاولة لمنع الكونجرس من التصديق على فوز بايدن. وتم إخلاء غرفتي الكونجرس أثناء الهجوم، وقُتل خمسة أشخاص، فاجتمع المشرعون مرة أخرى بعد بضع ساعات، ومن وظيفة نائب الرئيس الإعلان عن النتائج والسؤال عما إذا كان هناك أي اعتراضات، وبعد الهجوم العنيف على الكابيتول، تخلى معظم الجمهوريين في مجلس الشيوخ عن خططهم للطعن في فوز بايدن في عام 2021، لكن ستة ما زالوا يعترضون حتى اللحظة. والحقيقة، أن الاعتراضات من قبل ترامب وأنصاره على نتائج انتخابات 2020 كانت لها سوابق تاريخية، ففي عام 2001 حاول ممثلو الحزب الديمقراطي في مجلس النواب لمدة عشرين دقيقة منع الأصوات الانتخابية المثيرة للجدل في فلوريدا لصالح جورج دبليو بوش، وقد فشلت كلتا المحاولتين، لأن الاعتراضات كان لابد أن يوقع عليها عضو في مجلس النواب ومجلس الشيوخ قبل أن يتم التصويت عليها من قبل مجلسي الكونجرس، وقد أصبحت الطعون أكثر صعوبة بعد التشريع الذي تم تمريره في عام 2022، والتي توجب أن يدعم 20 عضوًا في مجلس الشيوخ و87 عضوًا في مجلس النواب أي طعن في التصديق على نتائج الهيئة الانتخابية للولاية.
في عام 2021، كان على بنس، بصفته رئيسًا لمجلس الشيوخ، أن يعلن أن بايدن، وليس ترامب، هو رئيس الولايات المتحدة، وقد أوفى بنس بواجبه الدستوري على الرغم من الضغوط الهائلة التي مارسها ترامب والذي تمسك بفكرة تزوير الانتخابات، وبعد أن يصادق مجلس الشيوخ على نتائج الانتخابات، تصبح جميع شهادات التأكيد وشهادات التصويت متاحة للمراجعة العامة في مكتب المسجل الفيدرالي لمدة عام واحد، ثم يتم نقلها إلى الأرشيف الوطني للسجل الدائم، وبعبارة أخرى، فإن المشككين بنتائج الانتخابات يمكنهم التحقق من النتائج بأنفسهم.
ماذا يحدث في حالة التعادل؟
في حالة عدم فوز أي مرشح في الهيئة الانتخابية، يجتمع مجلس النواب لانتخاب الرئيس القادم، وهكذا أصبح جون كوينسي آدامز رئيسًا في عام 1824، وعموماً، فقد تأسست هذه العملية المعقدة منذ ما يقرب من 250 عامًا، وهي تشكل أساس الديمقراطية الأمريكية، وقد تساءل كثيرون عما إذا كان هذا النظام العتيق يمثل حقًا إرادة الشعب في أمريكا الحديثة، ولكن بالنسبة لعام 2024، ومع بعض التعديلات، تظل هذه العملية من تقرر نتيجة السباق الرئاسي.
رؤساء خسروا التصويت الشعبي وفازوا بالانتخابات
من بين 59 انتخابات رئاسية جرت في تاريخ الولايات المتحدة، فاز 53 من الفائزين بأصوات الهيئة الانتخابية والتصويت الشعبي، ولكن في خمسة انتخابات متقاربة بشكل لا يصدق، كان الفائز بأصوات الهيئة الانتخابية هو الخاسر بأصوات الشعب، وهناك خمسة رؤساء خسروا التصويت الشعبي لكنهم فازوا بالانتخابات، وهم: جون كوينسي آدامز الرئيس السادس للولايات المتحدة الأمريكية بالفترة بين 1825 إلى 1829، ورذرفورد هايز الرئيس التاسع عشر للولايات المتحدة الأمريكية بين 1877 إلى 1881، وبنيامين هاريسون الرئيس الثالث والعشرين للولايات المتحدة بين عامي 1889-1893، وجورج دبليو بوش الرئيس الثالث والأربعين للولايات المتحدة في الفترة من 2001 إلى 2009، ودونالد ترامب الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة من 2016 حتى 2020، وقد فاز ترامب على هيلاري كلينتون، زوجة الرئيس السابق بيل كلينتون، على الرغم من حصولها على 2.8 مليون صوت أكثر في التصويت الشعبي، وبالرغم من خسارة ترامب التصويت الشعبي بملايين الأصوات، إلا أنه فاز في المجمع الانتخابي بشكل مقنع بحصوله على 304 صوت انتخابي، مقابل 227 صوتاً لهيلاري .